صوامع الشبكات الاجتماعية
تغلغلت الشبكات الاجتماعية بحياتنا اليومية وبدأت تملك حيز كبير من وقتنا. هذا بسبب فائدتها العظيمة لنا؛ سنجد عليها أشخاص يشاركونا اهتماماتنا مهما كانت غريبة أو متخصصة. بالنسبة لي، مكنتي الشبكات الاجتماعية بالتعرف على أشخاص ملهمين وتكوين صداقات ثمينة بسببها. مع زيادة استخدامنا لها بدأت تصبح مصدر الأخبار الرئيسي لجزء كبير من أفراد مجتمعنا، وأنا من ضمنهم. أعطتنا قدرة معرفة كل حدث أو خبر يهمنا في لحظة وقوعه، قدرة لم يمتاز بها إنسان عاش في زمن آخر. لكنها سلاح ذو حدين يجب أن نعي بأضراره.
هدف الشبكات الاجتماعية الرئيسي هو زيادة ربحها من الإعلانات. مما يحفزها لتصنع تجربة هدفها الرئيسي زيادة تفاعل مستخدميها ليقضوا اكبر وقت ممكن عليها. في جوهر كل شبكة اجتماعية توجد خوارزمية وظيفتها متابعة مشاركات وتفاعل مستخدمها عليها لتتعلم اهتماماته حتى تقترح عليه أشياء مشابهة تزيد بذلك تفاعله والوقت الذي يقضيه على الشبكة. هذه الخوارزمية هي نفسها التي تستخدم في المتاجر الإلكترونية؛ في كل صفحة منتج تجد المنتجات المشابهة والتي جذبت زوارا آخرين على التفاعل بالنقر عليها. هكذا تبدأ الدورة بيننا وبين الخوارزمية، تقترح علينا أشخاص أومقالات تتفق مع اهتماماتنا وبدورنا نتفاعل مع تلك الأشياء معززين نموذج الخوارزمية لاهتماماتنا.
الشبكات الاجتماعية بطبيعتها اجتماعية، مليئة بمحتوى لا يمكن لشخص واحد أن يستهلك كل شيء بها. تجد قائمة أصدقاءنا وأولئك الذين نتابعهم تتغير باستمرار، نتابع من يشاركنا اهتماماتنا وآرائنا ونتوقف عن متابعة من لديه آراء تتعارض معنا، مما يؤدي، وبدون وعي منا، إلى فلترة المحتوى الذي نراه. لأن الخوارزمية مصممة على تعلم اهتماماتنا واقتراح أشياء التي قد تروق لنا، نجد فلاترنا تتحسن وتكبر مع الوقت عازلة عنا المحتوى الذي لا يتفق معنا. تبني الخوارزمية حولنا صومعة من الانحياز التأكيدي والتي لا تسمح لأي محتوى دخولها إن لم يكن يتوافق مع اهتماماتنا وآرائنا. يأتي يومًا نستيقظ فيه مفزوعين بوجود جزء من مجتمعنا يؤمنون وينادون بآراء ومعتقدات متطرفة تعارض جوهر كل ما نؤمن به. أحداث عام ٢٠١٦ هي أفضل مثال على ذلك.
قبل نشأت الشبكات الاجتماعية وتغلغلها بحياتنا، كان مصدر الأخبار الرئيسي لنا هي الجرائد والنشرات الإخبارية في التلفاز. كانت تلك المصادر يقوم باختيارها وفلترتها أفراد وظيفتهم ذلك؛ صحافيون ومحررون يكرّسون حياتهم لتك الوظيفة. لم تكن هذه المصادر خالية من الانحياز بل كانت ملئية به، ولكن كان انحياز واحد عام على المجتمع ككل. لم يوجد في ذلك الوقت كمية مهولة من المحتوى، يستهلك جزء من المجتمع محتوى متحيز لطرف والجزء الآخر يستهلك المحتوى المتحيز للطرف الآخر. لم يوجد في ذلك الوقت أفراد في بيت واحد متحيزون لأطراف مختلفة على نفس القضية بسبب قراءة كل منهما على من المصدر الذي يتفق مع آرائه. وبسبب سهولة النشر في الإنترنت، لم يوجد في ذلك الوقت أخبار وإشاعات كاذبة مشتتة هدفها دثر الحقيقة. كلما تفاعلنا مع محتوى معين كلما زاد ذاك المحتوى، ليصبح جهد التحقق من كل إشاعات أكبر بكثير من نشرها.
لم يمر علينا عصر كانت أهمية التفكير النقدي به كعصرنا هذا، بدونه سنغرق في دوامة من الأخبار والإشاعات التي تؤيد آرائنا مهما كان صحتها. يجب علينا أن نبدأ بتنويع مصادر الأخبار التي نستهلكها، أن نبدأ بمتابعة تلك المصادر والتي نجزم بعد اتفاقنا معها حتى نستطيع فهم الطرف الآخر من مجتمعنا. ليس علينا أن نتفق معهم، مجرد فهمهم وإدارك رأيهم يكفي. دعنا نكون صريحين مع أنفسنا، هؤلاء ليسوا كلهم أشرار أو أغبياء، بل هم منعزلون في صوامعهم الخاصة كما نحن منعزلون.